محمود السرسك - بطولة من نوع آخر

آسر مطر

فيما اتجهت أنظار الملايين من عشاق كرة القدم حول العالم إلى شرق القارة الأوروبية لمتابعة أحداث بطولة كأس أمم أوروبا 2012 في بولندا وأوكرانيا، أنهى لاعب كرة القدم الفلسطيني المعتقل محمود السرسك إضرابه عن الطعام الذي استمر لأكثر من ثلاثة أشهر وسط غياب إعلامي شبه كامل، باستثناء بعض النشطاء العرب على شبكة الإنترنت الذين اعتبروا اللاعب الأسير "أفضل لاعب كرة قدم في العالم" كما تقول الصورة التي نشروها تضامناً معه.

السرسك الذي اعتُقل إدارياً من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمدة تجاوزت الثلاث سنوات ضرب الرقم القياسي لأطول فترة إضراب عن الطعام قام بها أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، قبل أن يقرر إنهاء إضرابه الذي استمر 92 يوماً بعد أنباء من محاميه عن التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراحه الشهر القادم.

بدأت القصة في 22 تموز/يوليو عام 2009، حين كان اللاعب الشاب محمود السرسك - البالغ من العمر 22 عاماً آنذاك – في طريقه من مسقط رأسه مدينة رفح في قطاع غزة إلى الضفة الغربية للانضمام إلى فريقه الجديد شباب بلاطة، بعد أن تألق مع ناديه السابق رفح وهو ما جعله يحجز مكاناً في صفوف المنتخب الفلسطيني للشباب.

غير أن أحلام اللاعب الصاعد تحطمت على بوابة معبر إيريز، حين ألقت سلطات الاحتلال القبض عليه بدعوى انتمائه إلى حركة الجهاد الإسلامي في غزة، وألقت به في غياهب المعتقل لمدة ثلاث سنوات دون توجيه اتهامات رسمية له ودون تقديمه للمحاكمة.

في 19 آذار/مارس من العام الحالي قرر السرسك أن يبدأ إضرابه عن الطعام بعد أن تم تجديد "اعتقاله الإداري" – أي الاعتقال دون تهمة محددة أو محاكمة - للمرة السادسة على التوالي، ورغم كل المحاولات من أطراف عدة لإثنائه عن ذلك إلا أن اللاعب الأسير تمسك بموقفه، وطالب بأن تتم معاملته بوصفه "أسير حرب"، فنال اهتمام الوسط الرياضي العربي والعالمي أيضاً.

وأخيراً أعلن محمد جبارين محامي اللاعب يوم الاثنين أن السرسك قرر إنهاء إضرابه عن الطعام بعد التوصل إلى اتفاق يتم بمقتضاه الإفراج عنه في 10 تموز/يوليو القادم، وأكد أن اللاعب الذي فقد أكثر من نصف وزنه الطبيعي قد تناول قطعة من الحلوى علامة على إنهاء الإضراب، كما بدأ في تناول بعض الحليب تمهيداً لنقله من مستشفى السجن إلى مستشفى مدني للتعافي قبل إطلاق سراحه.

ردود الأفعال

تباينت المواقف في الوسط الرياضي العالمي، ففيما أبدى جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قلقه من الاعتقال التعسفي للرياضيين الفلسطينيين، كان موقف الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) ورئيسه الفرنسي ميشال بلاتيني أقل تعاطفاً بحجة أن اليويفا منظمة رياضية لا علاقة لها بالسياسة.

أصدر الفيفا بياناً الأسبوع الماضي ذكر فيه أن "رئيس الاتحاد الدولي جوزيف بلاتر أبدى اهتمامه العميق وقلقه من أنباء اعتقال لاعبي كرة القدم الفلسطينيين بصورة غير قانونية" وأوضح البيان: "تلقى الفيفا تقارير تفيد بأن عدة لاعبين فلسطينيين قد ألقي القبض عليهم من قبل السلطات الإسرائيلية في مخالفة لحقوقهم الإنسانية ودون منحهم حقهم المشروع في الحصول على محاكمة عادلة".

وركز بيان الفيفا على حالة السرسك خاصة، موضحاً أن اللاعب في حالة صحية شديدة الخطورة نظراً لإضرابه عن الطعام لمدة قاربت الثلاثة أشهر، حيث تناقص وزنه ليصل إلى 30 كيلوغراماً فقط، كما أوضح الاتحاد الدولي أنه قام بمخاطبة نظيره الإسرائيلي وطالبه بجذب انتباه السلطات المحلية إلى هذه القضية الخطيرة.

موقف قوي لكانتونا

لم يكن الفيفا ورئيسه بلاتر وحدهما من المهتمين بقضية السرسك، فقد جذب موقف اللاعب الأسير اهتمام العديد من نجوم كرة القدم، كان على رأسهم المالي فريدريك كانوتيه مهاجم نادي إشبيلية الإسباني، والفرنسي إريك كانتونا نجم منتخب فرنسا ونادي مانشستر يونايتد الإنكليزي سابقاً، الذي شن هجوماً حاداً على العنصرية الإسرائيلية في خطاب بعث به إلى بلاتيني رئيس اليويفا.

وجاء في خطاب كانتونا: "حان الوقت لإنهاء الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل، وعلينا أن نصرّ على أن يكون هناك عدل ومساواة واحترام للقانون الدولي مثلما نطلب من الدول الأخرى"، وتابع النجم الفرنسي: "العنصرية وانتهاك حقوق الإنسان والخروقات الحادة للقانون الدولي تحدث يومياً في هذه الدولة".

من جانبه كان رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب قد طالب في خطاب مفتوح إلى اليويفا بمنع إسرائيل من استضافة بطولة أوروبا لكرة القدم للشباب تحت 21 عاماً العام القادم، وهو ما انتقده بلاتيني بحجة أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "منظمة غير سياسية".